فصل: تفسير الآية رقم (58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (57):

{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57)}
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} فإما تصادفنهم وتظفرن بهم، {فِى الحرب فَشَرّدْ بِهِم} ففرق عن مناصبتك ونكل عنها بقتلهم والنكاية فيهم {مّنْ خَلْفِهِمْ} من وراءهم من الكفرة والتشريد تفريق على اضطراب. وقرئ: {فشرذ} بالذال المعجمة وكأنه مقلوب شذر و{مّنْ خَلْفِهِمْ}، والمعنى واحد فإنه إذا شرد من وراءهم فقد فعل التشريد في الوراء. {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} لعل المشردين يتعظون.

.تفسير الآية رقم (58):

{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)}
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ} معاهدين. {خِيَانَةً} نقض عهد بأمارات تلوح لك. {فانبذ إِلَيْهِمْ} فاطرح إلَيْهِمْ عهدهم. {على سَوَاء} على عدل وطريق قصد في العداوة ولا تناجزهم الحرب فإنه يكون خيانة منك، أو على سواء في الخوف أو العلم بنقض العهد وهو في موضع الحال من النابذ على الوجه الأول أي ثابتاً على طريق سوي أو منه أو من المنبوذ إليهم أو منهما على غيره، وقوله: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الخائنين} تعليل للأمر بالنبذ والنهي عن مناجزة القتال المدلول عليه بالحال على طريقة الاستئناف.

.تفسير الآية رقم (59):

{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)}
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقوله: {الذين كَفَرُواْ سَبَقُواْ} مفعولاه وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص بالياء على أن الفاعل ضمير أحد أو {مّنْ خَلْفِهِمْ}، أو {الذين كَفَرُواْ} والمفعول الأول أنفسهم فحذف للتكرار، أو على تقدير أن {سَبَقُواْ} وهو ضعيف لأن أن المصدرية كالموصول فلا تحذف أو على إيقاع الفعل على. {إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ} بالفتح على قراءة ابن عامر وأن {لا} صلة و{سَبَقُواْ} حال بمعنى سابقين أي مفلتين، والأظهر أنه تعليل للنهي أي: لا تحسبنهم سبقوا فأفلتوا لأنهم لا يفوتون الله، أو لا يجدون طالبهم عاجزاً. عن إدراكهم وكذا إن كسرت إن إلا أنه تعليل على سبيل الاستئناف، ولعل الآية إزاحة لما يحذر به من نبذ العهد وإيقاظ العدو، وقيل نزلت فيمن أفلت من فل المشركين.

.تفسير الآية رقم (60):

{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}
{وَأَعِدُّواْ} أيها المؤمنون {لَهُمْ} لناقضي العهد أو الكفار. {مَّا استطعتم مّن قُوَّةٍ} من كل ما يتقوى به في الحرب. وعن عقبة بن عامر سمعته عليه الصلاة والسلام يقول على المنبر: «ألا إن القوة الرمي قالها ثلاثاً» ولعله عليه الصلاة والسلام خصه بالذكر لأنه أقواه. {وَمِن رّبَاطِ الخيل} اسم للخيل التي تربط في سبيل الله، فعال بمعنى مفعول أو مصدر سمي به يقال ربط ربطاً ورباطاً ورابط مرابطة ورباطاً، أو جمع ربيط كفصيل وفصال. وقرئ: {ربط الخيل} بضم الباء وسكونها جمع رباط وعطفها على القوة كعطف جبريل وميكائيل على الملائكة. {تُرْهِبُونَ بِهِ} تخوفون به، وعن يعقوب {تُرْهِبُونَ} بالتشديد والضمير ل {مَّا استطعتم} أو للإِعداد. {عَدُوَّ الله وَعَدُوَّكُمْ} يعني كفار مكة. {وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ} من غيرهم من الكفرة. قيل هم اليهود وقيل المنافقون وقيل الفرس. {لاَ تَعْلَمُونَهُمُ} لا تعرفونهم بأعيانهم. {الله يَعْلَمُهُمْ} يعرفهم. {وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَئ في سَبِيلِ الله يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} جزاؤه. {وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} بتضييع العمل أو نقص الثواب.

.تفسير الآية رقم (61):

{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)}
{وَإِن جَنَحُواْ} مالوا ومنه الجناح. وقد يعدى باللام وإلى {لِلسَّلْمِ} للصلح أو الاستسلام. وقرأ أبو بكر بالكسر. {فاجنح لَهَا} وعاهد معهم وتأنيث الضمير لحمل السلم على نقيضها فيه. قال:
السِّلْمُ تَأْخُذُ مِنهَا مَا رَضِيْتَ بِه ** وَالحَرْبُ يَكْفِيكَ مِنْ أنْفَاسِهَا جَرَعُ

وقرئ: {فاجْنُحْ} بالضم. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ولا تخف من إبطانهم خداعاً فيه، فإن الله يعصمك من مكرهم ويحيقه بهم. {إِنَّهُ هُوَ السميع} لأقوالهم. {العليم} بنياتهم. والآية مخصوصة بأهل الكتاب لاتصالها بقصتهم وقيل عامة نسختها آية السيف.

.تفسير الآية رقم (62):

{وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)}
{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ الله} فإن محسبك الله وكافيك قال جرير:
إِنِّي وَجَدْتُ مِنَ المَكَارِمْ حَسْبَكُم ** أَنْ تَلْبِسُوا حرَّ الثِيَابِ وَتَشْبَعُوا

{هُوَ الذي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وبالمؤمنين} جميعاً.

.تفسير الآية رقم (63):

{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}
{وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء، والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، وبيانه: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} أي تناهي عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإِصلاح. {ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} بقدرته البالغة، فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء. {إِنَّهُ عَزِيزٌ} تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده. {حَكِيمٌ} يعلم أنه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده، وقيل الآية في الأوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها ساداتهم، فأنساهم الله ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصاراً.

.تفسير الآية رقم (64):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64)}
{يا أيها النبى حَسْبُكَ الله} كافيك. {وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} أما في محل النصب على المفعول معه كقوله:
إِذَا كَانت الهَيْجَاء وَاشْتَجَرَ القَنَا ** فَحَسْبُكَ وَالضَّحَّاكُ سَيْفٌ مُهَنَّد

أو الجر عطفاً على المكني عند الكوفيين، أو الرفع عطفاً على اسم الله تعالى أي كفاك الله والمؤمنون. والآية نزلت بالبيداء في غزوة بدر، وقيل أسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثون رجلاً وست نسوة، ثم أسلم عمر رضي الله عنه فنزلت. ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في إسلامه.

.تفسير الآية رقم (65):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65)}
{يا أيها النبى حَرّضِ المؤمنين عَلَى القتال} بالغ في حثهم عليه، وأصله الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقرئ: {حرص} من الحرص. {إِن يَكُن مّنكُمْ عِشْرُونَ صابرون يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مّنَ الذين كَفَرُواْ} شرط في معنى الأمر بمصابرة الواحد للعشرة، والوعد بأنهم إن صبروا غلبوا بعون الله وتأييده. وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تكن بالتاء في الآيتين ووافقهم البصريان في {وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مّنكُمْ مّاْئَةٌ}. {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} بسبب أنهم جهلة بالله واليوم الآخر لا يثبتون ثبات المؤمنين رجاء الثواب وعوالي الدرجات قَتَلُوا أو قُتِلُوا ولا يستحقون من الله إلا الهوان والخذلان.

.تفسير الآيات (66- 70):

{الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70)}
{الئان خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله} لما أوجب على الواحد مقاومة العشرة والثبات لهم وثقل ذلك عليهم خفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين، وقيل كان فيهم قلة فأمروا بذلك ثم لما كثروا خفف عنهم، وتكرير المعنى الواحد بذكر الأعداد المتناسبة للدلالة على أن حكم القليل والكثير واحد والضعف ضعف البدن. وقيل ضعف البصيرة وكانوا متفاوتين فيها، وفيه لغتان الفتح وهو قراءة عاصم وحمزة والضم وهو قراءة الباقين. {والله مَعَ الصابرين} بالنصر والمعونة فكيف لا يغلبون.
{مَا كَانَ لِنَبِىٍّ} وقرئ: {للنبي} على العهد. {أَن يَكُونَ لَهُ أسرى} وقرأ البصريان بالتاء. {حتى يُثْخِنَ فِي الأرض} يكثر القتل ويبالغ فيه حتى يذل الكفر ويقل حزبه ويعز الإِسلام ويستولي أهله، من أثخنه المرض إذا أثقله وأصله الثخانة، وقرئ: {يُثْخِنَ} بالتشديد للمبالغة. {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدنيا} حطامها بأخذكم الفداء. {والله يُرِيدُ الأخرة} يريد لكم ثواب الآخرة أو سبب نيل ثواب الآخرة من إعزاز دينه وقمع أعدائه. وقرئ بجر {الآخِرَةِ} على إضمار المضاف كقوله:
أَكُلَّ امْرِئ تَحْسَبِينَ امْرَأ ** وَنَارٌ تُوقَدُ بِاللَّيْلِ نَاراً

{والله عَزِيزٌ} يغلب أولياءه على أعدائه. {حَكِيمٌ} يعلم ما يليق بكل حال ويخصه بها، كما أمر بالإِثخان ومنع عن الافتداء حين كانت الشوكة للمشركين وخير بينه وبين المن لما تحولت الحال وصارت الغلبة للمؤمنين. روي أنه عليه الصلاة والسلام أتى يوم بدر بسبعين أسيراً فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: قومك وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوي بها أصحابك، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: اضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر وإن الله أغناك عن الفداء، مكني من فلان لنسيب له ومكن علياً وحمزة من أخويهما فنضرب أعناقهم، فلم يهو ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: {فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ومثلك يا عمر مثل نوح قال: {رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً} فخير أصحابه فأخذوا الفداء، فنزلت فدخل عمر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال: يا رسول الله أخبرني فإن أجد بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال: «ابك على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، لشجرة قريبة».
والآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه.
{لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} لولا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ، وهو أن لا يعاقب المخطئ في اجتهاده أو أن لا يعذب أهل بدر أو قوماً بما لم يصرح لهم بالنهي عنه، أو أن الفدية التي أخذوها ستحل لهم. {لَمَسَّكُمْ} لنالكم. {فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الفداء. {عَذَابٌ عظِيمٌ} روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ» وذلك لأنه أيضاً أشار بالإثخان.
{فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ} من الفدية فإنها من جملة الغنائم. وقيل أمسكوا عن الغنائم فنزلت. والفاء للتسبب والسبب محذوف تقديره: أبحت لكم الغنائم فكلوا، وبنحوه تشبث من زعم أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة. {حلالا} حال من المغنوم أو صفة للمصدر أي أكلاً حلالاً، وفائدته إزاحة ما وقع في نفوسهم منه بسبب تلك المعاتبة، أو حرمتها على الأولين ولذلك وصفه بقوله: {طَيّباً واتقوا الله} في مخالفته. {إِنَّ الله غَفُورٌ} غفر لكم ذنبكم {رَّحِيمٌ} أباح لكم ما أخذتم.
{يا أيها النبى قُل لّمَن في أَيْدِيكُم مّنَ الأسرى} وقرأ أبو عمرو {من الأسارى}. {إِن يَعْلَمِ الله فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً} إيماناً وإخلاصاً. {يُؤْتِكُمْ خَيْراً مّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} من الفداء. روي: «أنها نزلت في العباس رضي الله عنه كلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفدي نفسه وابني أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فقال: يا محمد تركتني أتكفف قريشاً ما بقيت فقال: أين الذهب الذي دفعته إلى أم الفضل وقت خروجك وقلت لها: إني لا أدري ما يصيبني في وجهي هذا فإن حدث بي حدث فهو لك ولعبد الله وعبيد الله والفضل وقثم، فقال العباس: وما يدريك، قال: أخبرني به ربي تعالى، قال: فأشهد أنك صادق وأن لا إله إلا الله وأنك رسوله والله لم يطلع عليه أحد إلا الله ولقد دفعته إليها في سواد الليل، قال العباس فأبدلني الله خيراً من ذلك لي الآن عشرون عبداً إن أدناهم ليضرب في عشرين ألفاً وأعطاني زمزم ما أحب أن لي بها جميع أموال أهل مكة وأنا أنتظر المغفرة من ربكم» يعني الموعود بقوله: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.